المنشور المحاصر

    يبقى الإعلام بكافة أنواعه عاملا مؤثرا في الحروب، إن كان من خلال الأدوات التقليدية الّتي كانت سائدة سابقا  أو في عصر الرقمنة الحالي. ولأننا في عصر الإعلام الجديد الذي يعتمد على الشراكة بين المنتج والمستهلك، خلافا لما كان ساريا في الإعلام التقليدي حيث إنّ المنتج كان محصورا بالقيمين على الراديو أو التلفزيون أو الجريدة، وكان المتلقي (المستهلك) دوره سلبي فقط، وكان المنتج متفردًأ​ بما يقدم ويريد توجيهه من سرديات، فإنّه اختلف جذريا في وقتنا الحالي وهو زمن الإعلام الرقمي .

قد بدا تأثير وسائل التواصل الاجتماعي الفاعل إن كان سلبا أم إيجابا ظاهرا وجليا على الشعوب والرأي العام لدى الأمم خصوصا تلك البعيدة عن التأثرات المباشرة بتلك الحوادث، في قضايا كانت سابقا تقدم بسرديات من طرف واحد في عهد الإعلام التقليدي، فبدأت هنا تتجلى تغيرات واضحة بالقناعات والمزاجات والنظرة تجاه ما كانوا لا يرونه أو لا يعلمون بحقيقته أو أحيانا لا يعلمون بوجوده أصلا ، وهذه الحقيقة التي تظهر لهذه الشعوب هي بسبب أن الحقائق والمشاهد  تنتشر من خلال مستخدم قرر بنفسه نقل ما يراه ويعاينه ويجري معه أو من خلال صانع محتوى مؤمن بهذه الفكرة قرر أن يكون صوتا لقضية يؤمن بها على حسابه الخاص، وقد ظهرت هذه النماذج بكثرة خلال معركة طوفان الأقصى تجمعها منصة النشر والقضية التي يتم النشر حولها، وبعد نتائج مهمة أنجزها النشر للمحتوى الفلسطيني على الانستغرام ترجمت بحراكات شعبية ومظاهرات في دول وجامعات كانت سابقة فيها لأول مرة  هذه التحركات، نتيجة لما وصل لهم من خلال هذه المنصات.  

 ووفقا لموقع  leads journalالبريطاني " في العصر الرقمي، أصبحت منصات التواصل الاجتماعي أدوات أساسية لتنظيم الاحتجاجات وتضخيمها، فاستفادت حركة احتجاج فلسطين في لندن بشكل كبير من هذه المنصات مثل تويتر وإنستغرام وفيسبوك، حيث يشارك النشطاء التحديثات المباشرة ومقاطع الفيديو والصور للمظاهرات. وقد سمح هذا الوجود عبر الإنترنت للحركة بالوصول إلى جمهور عالمي، وجذب الدعم من أشخاص في جميع أنحاء العالم مهتمين بالوضع في فلسطين. تم استخدام هاشتاغات (وسوم) مثل #FreePalestine #LondonProtest لجذب الانتباه إلى الأحداث وتشجيع الآخرين على المشاركة. كما استخدم المؤثرون والمشاهير والشخصيات العامة منصاتهم لإظهار التضامن، مما ساهم في زيادة وضوح الاحتجاجات. وقد أدى ذلك إلى زيادة الاهتمام العام وزيادة الوعي بالديناميكيات المعقدة للصراع الإسرائيلي الفلسطيني"

لقطات من مظاهرات داعمة لفلسطين في لندن بعد بداية طوفان الأقصى

هذا السياق ذكر موقع "Al Jazeera english" أنه وفي تاريخ 11تشرين الثاني "تجمع مئات الآلاف من الناس في وسط لندن للمشاركة في مسيرة تضامنية مع  فلسطين، مرددين شعارات "أوقفوا قصف غزة" و"أوقفوا إطلاق النار الآن وكان هذا مفتاح عمليات الحشد لهذه التحركات هو وسائل التواصل الاجتماعي ومن أهمها إنستغرام وتحديدا عبر الوسوم الفيروسية

فلسطين الحقيقة التي لا تناسب امبراطوريات الإعلام

      نعيش الآن في زمن هيمنة الغرب على منصات وسائل التواصل تأسيسا وقرارا وسياسات، ولأنه هناك ندّيّة علنية ومباشرة بين ما يتبناه الغرب من رؤى وأفكار وقناعات تتعارض ضديا مع مظلومية الفلسطينيين الذين تعرضوا للاحتلال الرسمي عام 1948، فإن كل عامل مؤثر يمكن أن يشكل خللا في كفة الميزان في الصراع  ويبيّن حقيقة إجرام ووحشية الاحتلال ،ويقدمه بصورته الحقيقية فقط، دون أدنى زيادة في الادعاءات، فإنّهم يمنعون تلك العوامل حتّى لا تصل إلى لحظة تنكشف فيه حقائق الكيان الشريرة التي قد تقلب المشهد رأسا على عقب.  وقد يفقدون زيف الشرعية التي يحوكونها لهذا الكيان عبر دعاياتهم التي لا تتوقف من أجل الحفاظ على صورته النمطية أمام هذا الجمهور حول العالم .
      ومن أهم هذه التهديدات التي قد تضع الحقيقة في مكانها وتضرب زيف دعايتهم هي رؤية الرأي العام للحقيقة المقابلة لسردية الاحتلال، والتي لا يسمحون لها أصلا أن تظهر بشكل عادل ومتقابل، كي لا ينكشف الوجه الإجرامي له أمام الشعوب خوفا على وجود هذا الكيان ومستقبله وشرعيته، ومن أهم الساحات التي تخاض في ميدانها حروب الإعلام والسرديات هي منصات التواصل الاجتماعي وتحديدا انستغرام، الذي يلعب دورا محوريا في هذا الإطار، والذي يقوم سلوكه وتحديدا في الفترة الأخيرة أي بعد بداية طوفان الأقصى  على الانحياز الواضح والعلني كما في التجارب والأرقام التي ستورد تباعا. 
 

وفي هذا الإطار ورد في مقال عبر موقع "الجزيرة انغليش" تحت عنوان "هل تُمارس شركات التواصل الاجتماعي العملاقة الرقابة على الأصوات المؤيدة لفلسطين في خضم حرب إسرائيل؟" "إتهم بعض المستخدمين أيضًا منصة إنستغرام، المملوكة لشركة ميتا، بحذف منشورات تذكر فلسطين بشكل تعسفي، لانتهاكها "إرشادات المجتمع". وقال آخرون إن قصصهم على إنستغرام كانت مخفية لمشاركتها معلومات حول الاحتجاجات الداعمة لفلسطين في لوس أنجلوس ومنطقة خليج سان فرانسيسكو. كما أفادت التقارير أن البعض اشتكوا من ظهور كلمة "إرهابي"
بالقرب من سيرهم الذاتية على إنستغرام. في نهاية الأسبوع الماضي، لاحظ توماس مادنز، وهو مخرج أفلام وناشط مقيم في بلجيكا، أمرًا غريبًا. فقد توقف فجأةً مقطع فيديو عن فلسطين نشره مع كلمة "إبادة جماعية" عن تحقيق التفاعل على المنصة بعد ارتفاعٍ أولي.
 وقال مادنز لقناة الجزيرة: "ظننتُ أنني سأحصل على ملايين المشاهدات، لكن التفاعل توقف. "مادنز" هو واحد من مئات مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي الذين يتهمون أكبر منصات التواصل الاجتماعي في العالم - إنستغرام، وفيسبوك، وإكس، ويوتيوب، وتيك توك - بفرض رقابة على الحسابات أو الحدّ من وصول المحتوى المؤيد لفلسطين، وهي ممارسة تُعرف باسم "الحظر الخفي".   .

لاحظ المخرج البلجيكي توماس مادنز انخفاضًا في التفاعل مع الفيديو الذي قدمه عن فلسطين [بإذن من توماس مادنز]

   ووفقا لموقع الجزيرة:" نشرت الصحفية الفلسطينية مريم البرغوثي مقالاً جاء فيه "ما لا يُمكن فهمه هو أنّ الفلسطينيين لا يريدون الانتقام، بل يريدون فقط الانتقام لنزوحهم بالعودة، وليس بالانتقام من العنف المُستخدم ضدهم". حُذف المنشور لمخالفته سياسة ميتا لمكافحة التطرف، والمُسماة "الأفراد والمنظمات الخطرة". المصدر: لقطة شاشة للكاتبة من إنستغرام."

  الحروب الرقمية:معركة مستمرة

نشر موقع "ذا اينترسبت" الأميركي مقالا للكاتب سام بيدل، يتناول المقال سياق الحظر الخفي وحروب السرديات الذي تجريه ميتا وتحديدا انستغرام للمحتوى الفلسطيني. فصل فيه عن الحظر والحذف الخفي للمحتوى الفلسطيني وحرب السردية التي يمارسها الاحتلال. يقول بيدل"منذ أن شنت إسرائيل غارات جوية انتقامية على غزة بعد هجوم حماس في 7 تشرين الأول، أبلغ مستخدمو إنستغرام وفيسبوك عن عمليات حذف واسعة النطاق لمحتواهم، وإدراج ترجمات لكلمة "إرهابي" في حسابات الفلسطينيين على إنستغرام، وحجب وسوم. كما أُخفيت تعليقات إنستغرام التي تحتوي على رمز العلم الفلسطيني، وفقًا لمنظمة "حملة"، وهي منظمة فلسطينية معنية بالحقوق الرقمية تتعاون رسميًا مع ميتا، المالكة لإنستغرام وفيسبوك، بشأن قضايا حرية التعبير في المنطقة. ويضيف "بيدل "أبلغ العديد من المستخدمين منظمة "حملة" أن تعليقاتهم نُقلت إلى أسفل قسم التعليقات، وتتطلب النقر لعرضها. وتشترك العديد من التعليقات في قاسم مشترك، حيث قال إريك سايب، المنسق الوطني الأمريكي لمنظمة "حملة"، لموقع "ذا إنترسبت": "غالبًا ما بدا الأمر وكأنه يتزامن مع وجود علم فلسطيني في التعليق". وفي ذات السياق أورد بيدل" وقد أفاد المستخدمون بأن إنستغرام قد أخطر وأخفى التعليقات التي تحتوي على الرمز التعبيري باعتبارها "مسيئة محتملة"، وفقًا لما ذكره موقع "تك كرانش" لأول مرة الأسبوع الماضي." وأضاف "وقد عزت ميتا بشكل روتيني حالات مماثلة من الرقابة المزعومة إلى أعطال تقنية. وأكد المتحدث باسم ميتا، آندي ستون، لموقع "ذا إنترسبت" أن الشركة تُخفي التعليقات التي تحتوي على رمز العلم الفلسطيني في سياقات "مسيئة" تُخالف قواعد الشركة". ثم اورد " قالت منى شتايا، الزميلة غير المقيمة في معهد التحرير لسياسات الشرق الأوسط، والتي تتابع سياسات ميتا المتعلقة بحرية التعبير، لموقع "ذا إنترسبت": "إن فكرة اعتبار العلم رمزًا مسيئًا تُثير قلقًا بالغًا لدى الفلسطينيين". وعند سؤاله عن السياقات التي تُخفي فيها ميتا العلم، أشار ستون إلى سياسة "المنظمات والأفراد الخطرين"، التي تُصنّف حماس منظمة إرهابية، واستشهد بفقرة من دليل معايير المجتمع تحظر أي محتوى "يشيد بموت أي شخص أو يحتفل به أو يسخر منه". وأضاف أن "ميتا" لا تطبق معايير مختلفة لتطبيق قواعدها المتعلقة بالرمز التعبيري للعلم الفلسطيني

سام بيدل
 المنصب الحالي: مراسل تقني أول في موقع "ذا إنترسيبت"، يغطي مواضيع مثل المراقبة، والخصوصية، والأمن السيبراني، والجهات الفاعلة في صناعة التكنولوجيا. 

:الخبرة السابقة:
 كاتب أول في موقع "جاوكر"- (2014-2016) -
    "محرر مدونة "فالي واغ -
ومدونة "جاوكر" المتخصصة في  أخبار وادي السيليكون.
مراسل أول في موقع- "جيزمودو"، يساهم في مقالات استقصائية في مجال التكنولوجيا.
-أسلوبه وأعماله البارزة

   الانتقال إلى ذا إنترسبت:
   في يونيو 2016،  انضم إلى ذا إنترسبت. مهمته: محاسبة جهات التكنولوجيا والمراقبة من خلال تقارير استقصائية دقيقة وجريئة.

القمع الخوارزمي

     أجرى معهد الجزيرة للدراسات دراسة تحت عنوان "الاحتلال الرقمي: الدعاية المُبكسلة(أي المشوّهة عمدا لتضليل الجمهور) والمنصات الخاضعة للرقابة، والمعركة على الرواية في غزة" نشرت باللغة الإنجليزية، تضمنت عناوين مختلفة حول القمع الخوارزمي والحذف الخفي وتقويض المحتوى والمعركة حول السردية في غزة. اعتبرت الدراسة أنّ منصات وسائل التواصل سلاح ذو حدين حيث إنها ساحة دعاية صحيح لكنها مكبلة بقيود رقابية، وذكرت :" إنّ منصات التواصل الاجتماعي أصبحت أساسية لمشاركة وجهات النظر حول الإبادة في غزة، لكنها تواجه انتقادات بسبب تحيزها في ضبط المحتوى". تشمل هذه الممارسات الحظر الخفي (shadow banning)، وتعليق الحسابات،والرقابة الخوارزمية – وهي إجراءات أثّرت بشكل غير متناسب على المحتوى المؤيد لفلسطين، مما أثار مخاوف بشأن الرقابة ومحاولة محو الأصوات الفلسطينية. 

HRW

GV

CFMM

ووفقًا لتقارير مثل تقرير مركز رصد الإعلام (Centre for Media Monitoring - CfMM) ، فإن الروايات الإسرائيلية ما زالت تحظى بأولوية حتى على الإنترنت، إذ تظهر ثلاث مرات أكثر من نظيراتها الفلسطينية في الأخبار التلفزيونية والإلكترونية. وتم كذلك تقليص فعالية الحملات الرقمية عبر كبح أو حظر وسوم بارزة مثل #FreePalestine، مما أضعف التضامن العالم." وتضيف الدراسة في مقطع آخر عنوان :"كيف تقمع الأصوات الفلسطينية ؟" تحت غطاء "تنظيم المحتوى" تقمع منصات التواصل الخطاب المؤيد لفلسطين باستخدام أساليب تُقيد حرية التعبير وتعيق الوعي العالمي بشأن الكارثة الإنسانية الجارية في غزة والأراضي المحتلة.  من أبرز هذه الأساليب حذف المنشورات – سواء كانت صورًا، فيديوهات أو نصوصًا – التي تتناول فلسطين أو تُعبر عن دعم للفلسطينيين. وغالبًا ما يتم هذا الحذف دون مبرر واضح، مما أثار مخاوف كبيرة حول الرقابة وتراجع حرية التعبير، كما أشار تقريرا "هيومن رايتس ووتش وغلوبال فويسز".
 كما يؤدي الحظر الخفي إلى تقليل ظهور المنشورات في الخوارزميات، مما يضعف فعالية الحملات التوعوية. يُضاف إلى ذلك تغييرات خوارزمية تؤثر على الوصول إلى المحتوى الفلسطيني، وتقلل من انتشاره العالمي. كما يتم أحيانًا منع المستخدمين من متابعة أو التفاعل مع حسابات مؤيدة لفلسطين، مما يُعيق قدرتهم على التوسع والوصول إلى جمهور أوسع. كل هذه الآليات تُساهم في قمع السرد الفلسطيني، وتقييد حرية التعبير، وتُصعّب مهمة النشطاء في توثيق ومشاركة معاناة الفلسطينيين اليومية. وقد دعت منظمات حقوق الإنسان إلى ضمان المساءلة وتعزيز حماية الحقوق الرقمية  للفلسطينيين.

وفق المركز العربي لتطوير العلام الاجتماعي "حملة"؛ يقوم إنستغرام بحظرٍ خفيٍّ لأي حساباتٍ مؤيدةٍ للفلسطينيين من خلال معالجة اللغة الطبيعية للمنصة(NLP)، والرقابة الجغرافية المُستهدفة للحسابات الفلسطينية.إذ تتّبع آلية معالجة اللغة الطبيعية للمنصة كلماتٍ مفتاحيةً مُحددة تتعلق بمفهوم طوفان الأقصى، مثل: فلسطين، غزة، إبادة جماعية، شهيد، مقاومة... كما تُؤخّر المنشورات المتعلقة بالظهور على موجز الأخبار أو قسم الاستكشاف لمدة 72 ساعة.  ويعتمد مبدأ ل"NLP" على التتبع المفاتيحي للمحتوى، وكل ما يرمز لهذا المحتوى اصطلاحا المفهوم المؤيد
لفلسطين، أيضا هذا التتبع يشمل الصور والرموز التشبيهية. وللحديث أكثر حول هذا الموضوع أجريت "بودكاست" مع المتخصص في شؤون السوشيل ميديا ومطور البرمجيات الاستاذ علي مرعي:
 
 

بودكاست 

وفق المركز العربي لتطوير الاعلام الاجتماعي "حملة": ينخفض ​​وصول المنشورات بنسبة 87% عندما تتضمن أي مفهوم يتعلق بغزة، بينما ينخفض ​​وصولها بنسبة 12% عندما تتعلق بإسرائيل. وهنا انفوغراف يفند هذه الأرقام

خداع الخوارزميات

انطلاقا من فظاعة الواقع وسوداويته لناحية القمع الذي يتعرض له المحتوى الداعم لفلسطين، ولضرورية استمرار النشر، لأسباب عديدة منها التصدي للسرديات المعادية، إضافة لفضح جرائم الحرب المرتكبة ورفع سردية الشعب الفلسطيني مقابل سردية العدو كان لا بد من الوصول إلى حل لاستمرارية هذا النشر، ألا وهو خداع الخوارزميات التي تقوض كما شرحت سابقا هذا المحتوى.
         وفي تقرير للجزيرة انغليش تحت عنوان "هل تقوم شركات التواصل الاجتماعي بمراقبة الأصوات المؤيدة لفلسطين في ظل الحرب الإسرائيلية على غزة؟" تحدث التقرير عن حلول تقنية بالاستفادة من بعض الحيل وبعض الأمور البرمجية، حيث قال:  لجأ بعض الأشخاص الذين قالوا إنهم تعرضوا للرقابة على وسائل التواصل الاجتماعي إلى حلول بديلة. وأضاف :"على سبيل المثال، صرّح ناشط فلسطيني، طلب عدم ذكر اسمه حفاظًا على سلامته، لقناة الجزيرة بأنهم بدأوا بتفكيك الكلمات عند النشر على إنستغرام". وتابع :"عندما كنت أكتب كلمات مثل "فلسطين" أو "تطهير عرقي" أو "فصل عنصري"، كنت أكسر الكلمات بنقاط أو خطوط مائلة. كنت أستبدل حرف "A" بحرف "@". هكذا بدأت بخداع الخوارزمية." 
   

رسم تشبيهيي لكيفية قراءة الخوارزميات أنماط الصور الشخصية للحسابات

وفي سياق الإصرار على النّشر ، أنشأ محمد درويش، 31 عامًا، مؤسس شركة "Bydotpy"، وهي شركة بلوكتشين مقرها القاهرة، مصر، موقعًا إلكترونيًا يُسمى "Free Palestine.bydotpy" يُؤَتْمِتُ(جعل المهام تتمّ بشكل تلقائيّ وآليّ )العملية نفسها. على سبيل المثال، عند كتابة "غزة" في موقعه الإلكتروني، يتم تغييرها تلقائيًا إلى "غزة"، ويمكن للمستخدمين نسخها ولصقها في تطبيق التواصل الاجتماعي الذي يختارونه.

    ويضيف "درويش ":  بصفتنا مجتمعًا من المطورين، نؤمن بمبدأ لا شيء مستحيل باستخدام الكود. لذلك، طوّرتُ هذه الأداة، التي تتوفر بنسختين، إحداهما للغة العربية والأخرى للغة الإنجليزية، كما قال. وأضاف: "وظيفة الأداة هي تغيير شكل الجمل لتجعل من الصعب على الذكاء الاصطناعي وخوارزميات فيسبوك فهم معنى النص".

لأجل إنسانيتي سأواصل النشر

  رغم القيود هناك أمل، فلكلّ معضلة حلّ، ولو كان مكلفا لناحية الجهد أو النتائج لاحقا على المستوى المهني أو لناحية فرص العمل، فحينما يكون الدافع هو الإنسانيّة ما بيننا كشعوب تؤمن أنه لا مفر من التضحية للوصول للحرية، نرى نماذج أبت الرضوخ للحصار الرقمي والتقييد..فكان الاستمرار هو القرار بمنشورات ومقاطع مصورة وكل ما يقتضيه الضمير لإيصال صوت المدفونين أحياء في فلسطين..."غادة سعد" الناشطة والإعلامية التي ما كلّت  منذ بدء عمليّة طوفان الأقصى عن النشر لفلسطين..تشاركنا تجربتها في هذا الصدد من الدوافع إلى المبادئ والقيم. ​إن هذا الاستمرار في النشر بالغ الأهمية لناحية توثيق هذه المظلومية ابتداءً ، ولناحية توعية أجيال قد لا تعني لهم فلسطين ولا غزة شيء 

كيف شكلت القيود التي فرضها انستغرام على المحتوى الفلسطيني تحديا دافعا للاستمرار في النشر لدى المستخدمين والنشطاء ؟ 

فلسطين المضطهدة قانونيا وإنسانيا  

    إنّ القمع الذي يتعرض له المحتوى المؤيد لفلسطين على الانستغرام هو انتهاك لمفهوم حرية الرأي والتعبير ونقل المعلومات التي تضمنه المواثيق الدولية بنصوصها وتحاول الشركات الكبرى عند حظرها هذا المحتوى الادعاء بأنه هناك خطأ تقني ما أدى إلى ذلك دون أدنى مبرر أخلاقي. وفي كثير من الأحداث التي جرت يكون المستخدم قد نشر رأيا مكتوبا يدعم  الفلسطيينين أو يعبر عن رأيه بكل سلمية فيتعرض للحظر الخفي. ومن هنا، أعتقد أنه يوجد حاجة للشفافية في هذا الميدان مع ضمان حرية رأي وتعبير أي فرد بما لا ينتهك خصوصيات الآخرين.وفي تموز الماضي، كان قد أقرّ الاتحاد الأوروبي قانون الخدمات الرقمي(DSA) في سعي منه لكبح جماح الشركات التكنولوجية الكبرى، وبموجب هذا القانون، يطلب من منصات التواصل الاجتماعي الامتثال لقواعد تضمن الأمن الرقمي، وتصون حرية تعبير المستخدمين. .

في تقرير نشرته قناة الجزيرة على موقع الجزيرة انغليش قال المتحدث باسم الاتحاد الاوروبي للقناة : "يجب على المنصات أن تكون شفافة وواضحة للغاية بشأن المحتوى المسموح به بموجب شروطها، وأن تطبق سياساتها الخاصة باستمرار ودقة". وأضاف: "يكتسب هذا أهمية خاصة عندما يتعلق الأمر بالمحتوى العنيف والإرهابي". إضافة إلى ذلك فالأهم في هذا القانون هو أن قانون الخدمات الرقمية يفرض أيضًا الشفافية بشأن الحظر الخفي وأنواع أخرى من إدارة المحتوى. وقال المتحدث "عندما يُقيّد حساب، يجب إبلاغ المستخدم"، وأضاف أن للمستخدمين الحق في الطعن على القرار." ووفقا لموقع الجزيرة انغليش: "ومع ذلك، أعرب بعض الخبراء عن شكوكهم بشأن فعالية قانون المساعدات الإنسانية في الوضع الحالي".

وفي سياق الحديث عن الجانب القانوني لمقاضاة "ميتا" نتيجة ما تقترفه
وتنتهجه من سياسات قمعية للمحتوى الفلسطيني ، أجريت مقابلة مع الحقوقي "حسن معنقي"
أجابنا فيها عن أفق العمل القانوني تجاه هذه الشركة

في نهاية المطاف، تُلحق الرقابة على المحتوى الفلسطيني الضرر بالصحفيين والمجتمع المدني والمدافعين عن حقوق الإنسان في أوقات الأزمات. فهي تمنع الفلسطينيين بشكل خاص من تحديد سياق الأحداث التي تؤثر على حياتهم في هذه اللحظة. ومن الضروري أن تُدرك الشركات دورها في هذه اللحظة الحاسمة، وأن تُدرك أن الحفاظ على تدفق مستمر للمعلومات من وإلى فلسطين أمرٌ بالغ الأهمية لإنقاذ الأرواح والتخفيف من أثر الرقابة على حقوق الإنسان".

دراسة تؤكد حظر إنستغرام لتعليقات دون إبلاغ المستخدم

Industrial Waste Management
Organic Waste Composting
يُظهر المنشور "عرض تعليق واحد" لجميع المستخدمين

قسم التعليقات، تم عرضه من حساب اختبار البريد العشوائي

إنستغرام أخفى التعليقات دون إخطار المُعلّقين أو حتى صاحب المنشور.
لقطات شاشة التُقطت في ٢٤ فبراير ٢٠٢٤.

ف​ي دراسة أجراها  موقع "ذا مارك آب" وهو موقع إخباري يركز على كشف تأثير التكنولوجيا على المجتمع من خلال صحافة قائمة على البيانات ومعروف بدراساته الميدانية في هذا النطاق، أفاد الموقع في جزء من دراسة أقامها حول الحجب الخفي الذي يجريه إنستغرام على محتويات يصنف أنها "غير مناسبة" بأنه في العديد من حالات الحجب الخفي لا يتم إخطار صاحب المحتوى أو التعليق بحجبه للمحتوى وقد أورد الموقع: "في تجارب فبراير، راقبنا التعليقات المنشورة من حساباتنا التجريبية، ولاحظنا أنها تعرضت للحظر الخفي بشكل متكرر من قِبل إنستغرام. .


ثمانية من أصل عشرة تعليقات مزعجة نشرناها، كانت مرئية دائمًا للمعلق، لكنها لم تكن مرئية للحسابات الأخرى. لم يتلقَّ المعلقون أي إشعار يفيد بتأثر تعليقاتهم كان كلا التعليقين المزعجين اللذين كانا مرئيين لمستخدمين آخرين غير المعلق، ينصّان على "راسلني لمعرفة كيفية الحصول على زر عدم الإعجاب". (بعد ثمانية أيام، عُلِّقَ أحد هذه الحسابات، على الرغم من أنه لم يكن مختلفًا عن الحسابات الأخرى)."

   

قسم التعليقات، كما تم عرضه من جميع الحسابات الأخرى

في ظلّ الثورة التكنولوجية.. المستقبل إلى أين؟

في ظل الآتي المريب وما نعيشه من تطورهائل ومتسارع في التكنولوجيا وعالم الذكاء الصناعي والأمن السيبراني أجريت مقابلة مع المتخصص في هذا المجال الأستاذ يوسف منذر تناول فيه مستقبلنا من وجهة نظر علمية دقيقة 

 لقراءة المزيد اضغط هنا

في الختام

     انتهاج السلوك المزدوج من قبل انستغرام بتطبيق سياسات الخصوصية والحظر على المحتويات بطريقة غير موحدة وغير ومتساوية، تؤكد أننا أمام أزمة أخلاقية وقانونية وإنسانيّة موصوفة، توجب حشد الجهد من جميع من تعنيه الإنسانية في هذا العالم، ليس للوقوف مع جهة دون أخرى بالحد الأدنى، بل لتأمين  مساحة التعبيرنفسها  لكلّ المستخدمين مهما اختلفت انتماءاتهم وتوجهاتهم ومعتقداتهم، لأن ذلك يمس بأحد أهمّ حقوق الإنسان وهو حقّ حريّة التعبير عن الرأي بشتى الطرق والأساليب. وإذا قررت منصة انستغرام و الشركة الراعية لها "ميتا" الاستمرار في انتهاج هذا السلوك التمييزي بحق الفلسطينيين ومحتواهم على المنصة، فعليهاعدم ادّعاء التساوي في سياساتها، ومصارحة داعمي القضية الفلسطينية بعدم قبولها محتواهم وحجبه رغما عنهم، لا أن تدّعي  تساوي الحريات في النشر للجميع. لأنه لا أثر لوجود الشعارات التي تطلقها المنصة لناحية حريّة التعبير في الواقع العملي على الإطلاق.